تعليق المطالبات في نظام الإفلاس وتأثيره على إجراءات التحكيم

تعليق المطالبات في نظام الإفلاس وتأثيره على إجراءات التحكيم

يشهد التحكيم توسعًا ملحوظًا كوسيلة بديلة لتسوية المنازعات التجارية، نظراً لما يتميز به من سرعة ومرونة وسرية في الإجراءات. وفي المقابل، يهدف نظام الإفلاس إلى تمكين المدين المفلس أو المتعثر أو المتوقع أن يعاني من اضطراب مالي من الاستفادة من الإجراءات النظامية لإعادة تنظيم أوضاعه المالية واستئناف نشاطه، وذلك وفقًا لما نصت عليه الفقرة (أ) من المادة الخامسة من نظام الإفلاس السعودي.

غير أن التقاطع بين هذين النظامين – التحكيم والإفلاس – يثير إشكاليات قانونية دقيقة، خصوصاً عند النظر في إمكانية مباشرة أو الاستمرار في دعوى تحكيمية يكون أحد أطرافها قد خضع لإجراء من إجراءات الإفلاس. وهنا يُطرح تساؤل محوري: هل يؤدي افتتاح إجراء الإفلاس إلى تعليق أو تعطيل العمل باتفاق التحكيم؟ وهل يشمل تعليق المطالبات الدعاوى التحكيمية التي يكون المدين طرفاً فيها؟.

 

تعرف على: التعامل مع نظام ائتمان الإفلاس : تحليل متعمق

 

أولاً: الطبيعة القانونية للتحكيم والإفلاس والتعارض بينهما

يمثل كل من التحكيم والإفلاس نظامًا قانونيًا قائمًا على أسس مختلفة من حيث الطبيعة والغرض. فالتحكيم يستند إلى مبدأ “سلطان الإرادة”، حيث يختار الأطراف، باتفاق مسبق أو لاحق، إحالة نزاعاتهم إلى هيئة تحكيمية مستقلة عوضًا عن القضاء العادي. ويتمتع الأطراف في هذا السياق بحرية واسعة في اختيار المحكمين، وتحديد الإجراءات، واختيار القانون المطبق، فضلاً عن تحديد اللغة والمكان، مما يمنح التحكيم طابعًا مرنًا وسريًا يفضله العديد من المستثمرين في العلاقات التجارية.

في المقابل، يُعد نظام الإفلاس نظامًا قانونيًا استثنائيًا لا يقوم على إرادة الأطراف، بل يتصل بالنظام العام ولا يجوز الاتفاق على مخالفته. ويهدف إلى تمكين المدين من تنظيم أوضاعه المالية بطريقة تضمن استمرارية نشاطه، إلى جانب تحقيق العدالة بين الدائنين وفق ما نصت عليه المادة الخامسة من نظام الإفلاس. ولتحقيق هذه الغايات، تقوم المحكمة بتعيين أمين إفلاس معتمد يتمتع بصلاحيات واسعة في إدارة أصول المدين والإشراف على إجراءات الإفلاس.

وبذلك، يتضح أن التحكيم يكرّس مبدأ الحرية التعاقدية، في حين يقيد نظام الإفلاس هذه الحرية من خلال فرض قيود تهدف إلى منع الإجراءات الانفرادية، وضمان المساواة بين الدائنين. وهنا يبرز التعارض المحتمل عندما يكون هناك نزاع تحكيمي بالتزامن مع خضوع أحد أطرافه لإجراء من إجراءات الإفلاس.

في مثل هذه الحالات، تظهر إشكالية قانونية محورية هي التالية: هل يستمر اتفاق التحكيم في إنتاج آثاره رغم افتتاح إجراء الإفلاس؟ وما أثر تعليق المطالبات على دعاوى التحكيم؟ وهل يمتد نطاق هذا التعليق ليشمل جميع الدعاوى المالية، بما فيها التحكيمية؟

تعرف على: إعادة الهيكلة والتصفية والإفلاس

 

ثانيًا: أثر تعليق المطالبات على اتفاق التحكيم والدعاوى التحكيمية

عرّفت المادة الأولى من نظام الإفلاس السعودي “تعليق المطالبات” بأنه: “تعليق الحق في اتخاذ أو استكمال أي إجراء أو تصرف أو دعوى تجاه المدين أو أصوله أو الضامن لدى المدين، خلال فترة محددة وفقًا لأحكام النظام”. ويتبين من هذا التعريف أن تعليق المطالبات يعني وقف أي إجراء قانوني موجه ضد المدين بعد افتتاح إجراء الإفلاس، بهدف حماية أصوله وضمان عدم تمييز أي دائن عن غيره.

ويهدف هذا التعليق إلى منع التزاحم غير المنظم بين الدائنين، وحسن سير إجراء الإفلاس تحت إدارة وإشراف أمين الإفلاس، بما يسهم في الحفاظ على أصول المدين وتمكين الأمين من دراسة المطالبات بشكل عادل ومنهجي. ويشمل هذا التعليق – بحسب منطوق المادة وروح النظام – جميع الدعاوى ذات الطبيعة المالية، بغض النظر عن الجهة التي تنظرها، سواء كانت محكمة أم هيئة تحكيم.

وعليه، فإن دعاوى التحكيم التي يقيمها الدائنون ضد المدين للمطالبة بحقوق مالية تُعد مشمولة بحكم تعليق المطالبات. ولا يُعفى اتفاق التحكيم من هذا الأثر لمجرد كونه اتفاقًا خاصًا، إذ إن العبرة بطبيعة الدعوى – وليس بالجهة التي تنظرها – فإذا كانت تهدف إلى استيفاء حق مالي من المدين، فإنها تكون مشمولة بتعليق المطالبات لحين انتهاء فترة التعليق أو صدور حكم من المحكمة في إجراء الإفلاس المفتتح.

ورغم أن التعليق يقيّد الدائنين، إلا أنه لا يسري على المدين بذات الإطلاق. إذ يجوز للمدين مباشرة دعوى تحكيمية لتحصيل حقوقه، كما نصت على ذلك المادة (70) من نظام الإفلاس، التي تُوجب على المدين – خلال المدة من افتتاح إجراء إعادة التنظيم المالي إلى التصديق على المقترح – الحصول على موافقة مكتوبة من الأمين قبل إقامة أي دعوى أو الترافع في أي دعوى مقامة أمام الجهات القضائية وشبه القضائية والتحكيم.

كما أن للأمين نفسه، في سياق إجراء التصفية، أن يلجأ إلى التحكيم باسم المدين متى توافرت مصلحة للإجراء، مثل استرداد أصل معين أو المطالبة بتعويض، وذلك استناداً إلى المادة (56) من اللائحة التنفيذية لنظام الإفلاس، التي تجيز له – بناء على طلب المدين – أن يتقدم إلى المحكمة بطلب تأجيل إنهاء إجراء التصفية لسبب مقبول بما في ذلك إقامة دعوى ضد الغير للحصول على تعويض أو استرداد أصل، على أن يرفق بطلبه المعلومات والوثائق المحددة لذلك.

وبناءً على ما تقدم، فإن افتتاح إجراء الإفلاس لا يترتب عليه إبطال اتفاق التحكيم، وإنما يعلّق أثره فقط في مواجهة المدين خلال فترة التعليق. ويظل الاتفاق قائماً ويمكن تفعيله مجددًا بعد انتهاء تلك الفترة، أو من خلال الأمين متى كان الطلب موجهاً ضد الغير، وبما يتوافق مع الضوابط التي يفرضها نظام الإفلاس.

خلاصة القول أن العلاقة بين التحكيم والإفلاس ليست علاقة تعارض مطلق، بل علاقة توازن دقيق بين مبدأ سلطان الإرادة ومقتضيات النظام العام. وبينما يمنح التحكيم الأطراف حرية أكبر في إدارة نزاعاتهم، يتدخل نظام الإفلاس لحماية مصالح الدائنين، ويقيد هذه الحرية عند الضرورة، تحقيقاً للعدالة وتفاديًا لانفراد بعض الدائنين بالمطالبة بحقوقهم. ويبقى اتفاق التحكيم قائماً من حيث الأصل، مع تعليق اللجوء للتحكيم مؤقتًا أثناء سير إجراءات الإفلاس.

 

تتميز شركتنا بتقديم خدمات الإفلاس وإعادة التنظيم المالي والتصفية، وذلك من خلال ترخيص من لجنة الإفلاس معتمد (أمين افلاس برقم 141097):

 

·      تقديم الاستشارات وإعداد تقارير الخبرة ذات الصلة بإجراءات الإفلاس.

 

·      تقديم الاستشارات الإدارية وإعادة الهيكلة لإجراء إعادة التنظيم المالي.

 

·      تقديم الاستشارات الإدارية والتنظيمية لطلب فتح إجراءات الافلاس.

 

 

للتواصل مع  شركة منى حامد مثيب السلمي للمحاماة والاستشارات القانونية للحصول على المزيد من المعلومات والاستشارات، حيث نقدم خدماتنا بمهنة وبأعلى مستوى من الجودة

الموقع الإلكتروني   

https://monalawfirm.com.sa

البريد الإلكتروني

Info@monalawfirm.com.sa

جوال/ واتس آب

0566608939 

الهاتف الموحد

920012781

عنوان الشركة

الرياض – طريق أنس بن مالك (RAYB3898).

 جده – شارع الأمير محمد بن عبد العزيز (التحلية) (JCZB2607).

 

 

Mona Lawfirm Info QR Code

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *